jeudi 7 mars 2013

السلالة

تجمع صغار الحي من حولها وفي عيونهم فرحة طفولية يشوبها نوع من الخوف ممزوج بآثار نوم متبقية من ليلة البارحة، وقد شغلهم تسارع الحدث عن التفكير في غسل وجوههم إن كانوا قد غسلوها في الأشهر الثلاثة الماضية، ولكن الحدث يستحق كل هذه العجلة فاليوم ستدفن أمباركة حية بعد ما ثبت عليها جرم"السل".

فمنذ وفاة أحمد سالم إثر حمي مفاجئة ألمت به دامت فقط عدة أيام رغم أنه كان في عنفوان شبابه وجميع الأنظار موجهة إلي أمباركة .

رغم أنه لم يخطر ببال أحد في البداية ربط أمباركة بهذا الحدث إلا أنه بعد اتهام خديجة (عمة الفقيد) ل أمباركة أنها "سلت" ابن أخيها بدأ الشهود يظهرون من الفراغ، هذا يزعم أنه راقب أمباركة وهي تنظر إلي الفقيد نظرات حمراء نارية وهذا يحلف أيمان مغلظة أنه شاهد أمباركة بأم عينيه وهي تتحول إلي غراب يملأ سكون الليل بنعيقه ولم يعد للحي شاغل غير أمباركة وقواها الشريرة.

الوحيدة التي فوجئت بكل هذا هي أمباركة نفسها، بدت منكمشة علي نفسها نحيفة أشد ما تكون النحافة علي وجهها آثار ذعر مخلوط بنوع من التسليم والخنوع أكتسبهما وجهها من سنين الخدمة الطويلة.

أحمد سالم بالنسبة لها كان مثل الحفيد تربي علي يديها كما ربت والده وعمته وأرضعتهما مثل الكثيرين من أبناء الحي وبناته قبل أن يسمح لها سيدها أبوا أحمد سالم ( الذي ورثها عن أبيه) بترك الخدمة لكبر سنها ولكونها لم تعد تستطيع المساهمة في أعمال البيت من طبخ وجلب ماء...ومن يومها وهي تسكن في خيمة صغيرة مملوئة بالثقوب لا ترد حر الشمس ولا برد الليل، عالة علي أفراد الأسرة اللذين تربوا علي يدها الواحد تلو الآخر حيث لم يترك لها الدهر ولدا ولا بنتا بين من مات ومن بيع ومن أهدي.

أمباركة لم تستغرب مسألة واحدة هي أن الاتهام جاء من خديجة، فخديجة من أفراد العائلة كانت الوحيدة التي دوما تتذمر من كون أمباركة عالة عليهم -متناسية أنها خدمت أسرتهم أكثر من 60سنة- هي لم تسامح أمباركة أبدا أنها أرضعتها وفي نفس الوقت أرضعت ابن عمها سيدي حسنة الذي كانت تحبه وكان قد تقدم فعلا لخطبتها لكن الزواج لم يتم بسبب الرضاعة المذكورة ومن يومها وخديجة بائرة في بيت أهلها

"سلالة" "سلالة".. واصل الصغار صياحهم ولكن هذه المرة بصوت أعلي بعد أن لاح محمد محمود (مرابط اللوح وحجاب الحي) في الأفق يلبس دراعتين إحداهما زرقاء والأخرى كانت يوما بيضاء لكنها بسبب الشمس وعدم الغسيل اتخذت لونا أقرب إلي الصفرة، متحزما بحزام من الجلد وكالعادة من دون سروال .بدأ يقترب ببطء ووقار شاعرا بالأهمية التي أضفتها عليه المناسبة.

في البداية لم يكن مقتنعا بمسألة "السل" عند ما سمع بها أول مرة ولكن بعد توافد نساء الحي عليه طالبات منه أن يرقي أولادهن ضد "السل" -مقابل كل حجاب جدعة من الغنم- بدأت الفكرة تعجبه. تمتم ببعض الآيات القرآنية بعضها بصوت مسموع وبعضها بصوت أخفض ليلتفت بعد ذلك إلي رجال الحي للتشاور معهم في أمر أمباركة: كما تعلمون جميعا لا يوجد حكم شرعي واضح لمعاقبة "السلالة" ولكن يمكن قياسها علي الساحرة وتلك في الراجح تقتل. تبقي فقط طريقة القتل، في الأحياء المجاورة جرت العادة بردم السلالات وهن أحياء بعد ضربهن وتعذيبهن لنزع اعتراف منهن وتوبتهن من ما اقترفن، ولكن للأسف أمباركة لم تعترف رغم استخدام جميع الوسائل معها تزعم كل الوقت أنها ليست سلالة مما أدخل في بال البعض أنها ب الفعل قد لا تكون، ولكن كيف نكذب أحد أعيان الحي وأشرافه وإمامه الذي استخار خصيصا لهذا الأمر وثبت عنده ونصدق "أعزوز أخدم سلالة".

في الأخير اتفق رأي الجميع علي حفر حفرة جنب أحد كثبان الرمال وتقييد أمباركة ورميها فيها. أخيرا استقرت أمباركة في الحفرة لتتناثر حبات الرمال فوقها كل يحمل ما استطاع لتختفي أمباركة شيئا فشئا تحت رمال الصحراء الحارقة المنتظرة لامباركة أخري ومتأكدة أن انتظارها قد لا يطول.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire